دراما إنسانية جديدة في بحر الشمال.. فرنسا تنقذ 94 مهاجراً تعطل قاربهم قبل الوصول إلى بريطانيا

دراما إنسانية جديدة في بحر الشمال.. فرنسا تنقذ 94 مهاجراً تعطل قاربهم قبل الوصول إلى بريطانيا
الهجرة غير الشرعية

في مشهد جديد من فصول الهجرة المأساوية عبر بحر الشمال، أعلنت السلطات البحرية الفرنسية أنها أنقذت اليوم الجمعة 94 مهاجرًا غير شرعي بعد تعطل قاربهم خلال محاولتهم الوصول إلى السواحل البريطانية وجاءت عملية الإنقاذ في وقتٍ تشهد فيه المنطقة الشمالية من فرنسا نشاطًا متزايدًا لقوارب المهاجرين التي تحاول عبور القناة الإنجليزية نحو بريطانيا، رغم المخاطر العالية وتقلبات الطقس في هذا الوقت من العام.

قارب يتحطم ومأساة كادت تقع

وأفاد مركز "غري نيه" الإقليمي للعمليات والمراقبة والإنقاذ، المسؤول عن متابعة التحركات البحرية في شمال فرنسا، بوقوع ما وصفه بـ"عمليات مغادرة متعددة لقوارب المهاجرين"، وأضاف أن أحد القوارب تحطم على بعد بضعة كيلومترات من ساحل مدينة دونكيرك، ما أدى إلى سقوط جميع ركابه في المياه الباردة، بحسب فرانس برس.

وعلى الفور، تم إطلاق عملية إنقاذ واسعة شاركت فيها وحدات من خفر السواحل الفرنسي وزوارق إنقاذ متخصصة، وتمكن المنقذون من انتشال جميع الركاب أحياء قبل أن تبتلعهم الأمواج، ونُقل الناجون إلى ميناء دونكيرك لتلقي الرعاية الطبية الأولية، قبل تسليمهم إلى السلطات المختصة لاستكمال الإجراءات القانونية والإدارية المتعلقة بوضعهم كمهاجرين غير نظاميين.

رحلات محفوفة بالموت

وتشير البيانات الرسمية الفرنسية إلى أن البحر لم يعد طريقًا للهروب فحسب، بل أصبح مقبرة صامتة لعشرات المهاجرين الباحثين عن الأمان، فقد لقي ما لا يقل عن سبعةٍ وعشرين شخصًا حتفهم هذا العام خلال محاولاتهم عبور القناة الإنجليزية، فيما تجاوز عدد من حاولوا العبور منذ بداية العام وحتى الحادي والعشرين من أكتوبر أكثر من ستةٍ وثلاثين ألفًا وسبعمئة شخص، بحسب الإحصاءات الحكومية.

وتعكس هذه الأرقام ارتفاعًا مقلقًا في محاولات العبور غير النظامية مقارنة بالأعوام السابقة، رغم الإجراءات الأمنية المشددة على جانبي القناة، ما يشير إلى عمق الأزمة الإنسانية التي تدفع هؤلاء إلى ركوب الموج بحثًا عن حياة أفضل.

يروي ناجون في حوادث سابقة أنهم غالبًا ما يدفعون مبالغ كبيرة لشبكات التهريب مقابل وعود كاذبة بالوصول الآمن إلى بريطانيا، وفي كثير من الأحيان تكون القوارب المستخدمة في الرحلة بدائية الصنع ومكتظة بالركاب، ما يجعلها عرضة للانقلاب عند أول اضطراب بحري. ويصف مسؤولون في منظمات الإغاثة هذه الرحلات بأنها "مقامرة بالحياة" أكثر منها محاولة للهجرة، إذ يواجه المهاجرون درجات حرارة منخفضة ورياحًا قوية وأمواجًا عاتية، بينما يفتقرون لأي تجهيزات سلامة.

دونكيرك.. نقطة الانطلاق والخطر

تُعد مدينة دونكيرك شمالي فرنسا إحدى النقاط الرئيسة التي تنطلق منها قوارب المهاجرين نحو بريطانيا، إلى جانب مناطق كاليه وبولونيه، وتشهد السواحل هناك نشاطًا متزايدًا لشبكات التهريب، حيث تُجمع المجموعات في ساعات الليل قبل أن تُطلق في القوارب المطاطية باتجاه الضفة البريطانية على أمل الوصول إلى مدينة دوفر أو كِنت.

وتشير السلطات الفرنسية إلى أنها تنفذ مئات عمليات الإنقاذ سنويًا، لكن ارتفاع أعداد المهاجرين وتطور أساليب التهريب يجعل السيطرة الكاملة على الوضع شبه مستحيلة.

التعاون الفرنسي البريطاني 

ورغم التعاون القائم بين باريس ولندن في مجال مكافحة الهجرة غير النظامية، فإن التحديات الميدانية لا تزال كبيرة. فبريطانيا تمول جزءًا من عمليات المراقبة والإنقاذ الفرنسية، كما أرسلت معدات وتقنيات مراقبة متطورة لتعقب القوارب في عرض البحر، ومع ذلك، يرى مراقبون أن الجهود تظل محدودة مقارنة بحجم الظاهرة وأسبابها الجذرية التي تمتد من الفقر والنزاعات إلى تغير المناخ.

من جهتها، تؤكد السلطات الفرنسية أنها تتعامل مع الظاهرة بمنظور إنساني بالدرجة الأولى، وأن أولويتها هي إنقاذ الأرواح قبل أي إجراء قانوني، بينما تطالب المنظمات الحقوقية الأوروبية بسياسات أكثر شمولًا تعالج جذور الهجرة بدلاً من الاقتصار على الإجراءات الأمنية.

شهادات ميدانية ومعاناة متجددة

يتحدث متطوعون في منظمات إنسانية فرنسية عن مشاهد مألوفة تتكرر كل أسبوع تقريبًا: مجموعات من المهاجرين المنهكين يصلون إلى الشاطئ مبتلين ومرهقين، بعضهم مصاب بالبرد الشديد، وبعضهم فقد رفاقه في الظلام، ويقول أحد المسعفين المحليين إن ما يعيشه هؤلاء "ليس مجرد حادث عرضي، بل نتيجة طبيعية لانسداد الأفق أمام البشر في بلدانهم الأصلية، حيث لا يجدون سوى البحر طريقًا للهرب".

وتشير تقديرات المنظمات الحقوقية إلى أن أغلب المهاجرين الذين يحاولون عبور القناة الإنجليزية ينحدرون من مناطق تعاني من النزاعات أو الأزمات الاقتصادية في الشرق الأوسط وإفريقيا، بينهم سوريون وسودانيون وإريتريون وأفغان، فضلاً عن آخرين من شمال إفريقيا.

المسؤولية المشتركة في مواجهة الأزمة

يرى خبراء في الهجرة أن معالجة هذه الأزمة تتطلب تعاونًا دوليًا يتجاوز الإجراءات الأمنية والحدودية، ويشمل تحسين ظروف اللاجئين في الدول المضيفة، وتعزيز التنمية في بلدان المنشأ، وتوفير ممرات قانونية وآمنة للهجرة. ويؤكد هؤلاء أن استمرار الوضع الحالي لن يؤدي إلا إلى مزيد من المآسي في البحر.

وفي الوقت نفسه، تواجه فرنسا ضغوطًا داخلية متزايدة من الرأي العام حول سياساتها تجاه المهاجرين، بينما تتعرض الحكومة البريطانية لانتقادات بسبب خططها لترحيل طالبي اللجوء إلى دول ثالثة مثل رواندا، وهي خطة تراها منظمات حقوقية "انتهاكًا للالتزامات الإنسانية الدولية".

تُعد القناة الإنجليزية، التي تفصل بين فرنسا وبريطانيا، واحدة من أخطر طرق الهجرة في العالم رغم قصر مسافتها التي لا تتجاوز 35 كيلومترًا في أضيق نقطة. ويُعرف هذا الممر البحري بكثافة حركة السفن فيه وبظروفه الجوية القاسية التي تجعل الإبحار في قوارب صغيرة مغامرة مميتة.

ومنذ عام 2018، تضاعف عدد المهاجرين الذين يحاولون العبور عدة مرات، مدفوعين بتشديد إجراءات الدخول القانونية إلى بريطانيا. وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن أسباب هذه الهجرة تتراوح بين الحروب والنزاعات والفقر والتغير المناخي، ما يجعلها أزمة مركبة تتطلب استجابة إنسانية شاملة.

وبينما تتبادل لندن وباريس الاتهامات بشأن المسؤولية، يبقى البحر شاهداً على مأساة إنسانية متكررة، يدفع ثمنها الأضعف دائماً أولئك الذين يحلمون بحياة كريمة على الضفة الأخرى.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية